لطالما ظننت أن السفر ليلا أفضل من السفر صباحاً، فمع أشعة الشمس المتزايدة شيئا فشيئا علي مدار اليوم يصبح السفر صباحا كابوسًا لكل مسافر .. لعل هذا يفسر الإقبال الشديد علي أتوبيسات المساء بغض النظر عن مخاطر السفر ليلاً بأي حال .
كان الجو دافئًا نوعًا ما وكانت السماء مكتظة بالنجوم التي تبعد عنا بملايين السنين الضوئية .. تلك الدقائق البديعة التي إن دلت علي شئ فإنما تدل على أنه هناك خالق واحد أحد لهذا الفضاء الواسع الذي تظهر فيه النحوم كحبات كرز فوق 'تورتة' كبيرة ، هناك صانع قدير محترف .
بعد يوم حافل بالأحداث الغير تقليدية بالمرة وبعد كل هذه المحادثات الجانبية ولحظات الدفء وسط الأصدقاء القدامى كنتُ مستعدًا لأخلد إلي نوم عميق، هذا اليوم سيصبح ذكري جميلة خالدة، كان كل هذا ممكنا لولا هذا الضوء الأزرق .. ذلك الضوء الذي أطلّ بعنف حاجبا اطلالة النجوم علينا ومدمرا للذكريات الجميلة التي كانت ستخلد بدون وجوده.
لم أتكبد عناء الوصول إلي مصدر الضوء، فقد كان يجلس علي بعد متر أو أقل مني، رأيته يتشاجر صباحا مع شخص لتعديه علي حقه في التعدي علي حقوق الآخرين وأضفته فورا في خانة القتلة المأجورين وظباط الداخلية اللذان يجب أن أحافظ علي مسافة بيني وبينهم حتي لا يتمكن القلق مني. غريزة البقاء تحكمني في هذه المواقف.
وأخيرا بعد العديد من المحاولات للولوج لهذا العالم البديع الخالي من كل شئ عدا خيالك ، الذي ينسج بكل خفة ودقة أحداثا قد تكون غير منطقية بالمرة استسلمت لسلطة الضوء الأزرق واتخذت النوم العميق - حقي المكتسب - عدوا لي واتجهت للأغاني ؛ لأنها صديقة القلق ودائما ما تخرجك من أصعب المواقف، الأغاني دواء لكل العلل وأفضل مكان للهروب من مشاكلك الحقيقية .. لكن للأسف لم تدم الأغاني طويلا، فمع مرور الزمن اختفت كل الأصوات وبقي هذا الضوء الأزرق، كان عندي أمل بإختفاء الضوء لنفس سبب إختفاء الأصوات ولكن سرعان ما تيقنت من مقولة ألا نصدق ما تري أعيننا أو ما نشعر به داخلنا، لقد رأيت هذا الجهاز الصغير الذي يمد مصدر الضوء الأزرق بالطاقة والذي أكد لي أن الضوء الأزرق سيلازمني طوال رحلة العودة.
احتجت بشدة إلي هذه الأصوات التي تنقلني إلي عوالم أخري فتنسيني الضوء الأزرق و كنت انتقل تدريجيا إلي حالة من الهلوسة فرأيت ديفيد جيلمور يعزف منفردا في مقدمة الأتوبيس .. و أعتقد أنني رأيت هذه النيران المنبعثة من جيتاره والتي أنارت الطريق بأكمله وغطت علي هذا النور الأزرق.
أنا فعلاً أهلوس!
لم تدم هذه الهلوسة طويلا وسرعان ما غطى النور الأزرق علي كل شئ وبهت كل شئ عداه.
كنت علي وشك أن أخرج عن هدوئي المعتاد وأذهب مباشرة إلي مصدر الضوء لأطفئه إلي الأبد غير مكترث بعواقب هذه الفعلة، ولكن سرعان ما انقطع هذا السكون التام وارتفع صوتان من مكان أقرب لي من الضوء الأزرق يتحدثان عن الجيش والحياة العسكرية وأحوال الراعي والرعية، ابتسمت ابتسامة بلهاء وحمدت الله لإنني أعرف أنني سأستمع إلي بطولات وقصص نجاح طوال الساعات القادمة، فأنا أعرف تمام المعرفة أنه دائما ما هناك المزيد من قصص الجيش.
استمعت لكل كلمة قيلت كالطالب المتفوق .. وحقيقة أنني خجول بعض الشئ كانت هي السبب الوحيد لعدم مشاركتي في هذا الحوار الشيق والاندماج معهم كطرف ثالث للحديث.
كان الحظ حليفي واستمرت هذه الأصوات حتي وجدت حليف آخر وقضوا سويا علي الضوء الذي كان يطاردني بلا رحمة .
أشرقت الشمس وتغلبت بضوئها علي كل الأضواء التي كانت حولها. أدركت أننا قد وصلنا لمبتغانا ولم أنم دقيقة واحدة وعدت إلي المنزل ناقما علي الأضواء الزرقاء وعلي القتلة المأجورين ووزير الداخلية.
http://youtu.be/ep-qrmpz9z0
http://youtu.be/ep-qrmpz9z0