Tuesday, August 9, 2016

الضوء الأزرق

لطالما ظننت أن السفر ليلا أفضل من السفر صباحاً، فمع أشعة الشمس المتزايدة شيئا فشيئا علي مدار اليوم يصبح السفر صباحا كابوسًا لكل مسافر .. لعل هذا يفسر الإقبال الشديد علي أتوبيسات المساء  بغض النظر عن  مخاطر السفر ليلاً بأي حال .
كان الجو دافئًا  نوعًا ما وكانت السماء مكتظة بالنجوم التي تبعد عنا بملايين السنين الضوئية .. تلك الدقائق البديعة التي  إن دلت علي شئ  فإنما تدل على أنه هناك خالق واحد أحد لهذا الفضاء الواسع الذي تظهر فيه النحوم كحبات كرز فوق 'تورتة' كبيرة ، هناك صانع قدير محترف .

بعد يوم حافل بالأحداث الغير تقليدية بالمرة وبعد كل هذه المحادثات الجانبية ولحظات الدفء وسط الأصدقاء القدامى كنتُ مستعدًا لأخلد إلي نوم عميق،  هذا اليوم سيصبح ذكري جميلة خالدة، كان كل هذا ممكنا لولا هذا الضوء الأزرق .. ذلك الضوء الذي أطلّ بعنف حاجبا اطلالة النجوم علينا ومدمرا للذكريات الجميلة التي كانت ستخلد بدون وجوده.
 لم أتكبد عناء الوصول إلي مصدر الضوء، فقد كان يجلس علي بعد متر أو أقل مني، رأيته يتشاجر صباحا مع شخص لتعديه علي حقه في التعدي علي حقوق الآخرين وأضفته فورا في خانة القتلة المأجورين وظباط الداخلية اللذان يجب أن أحافظ علي مسافة بيني وبينهم حتي لا يتمكن القلق مني. غريزة البقاء تحكمني في هذه المواقف.
وأخيرا بعد العديد من المحاولات للولوج لهذا العالم البديع الخالي من كل شئ عدا خيالك ، الذي ينسج بكل خفة ودقة أحداثا قد تكون غير منطقية بالمرة استسلمت لسلطة الضوء الأزرق واتخذت النوم العميق - حقي المكتسب - عدوا لي واتجهت للأغاني ؛ لأنها صديقة القلق ودائما ما تخرجك من أصعب المواقف، الأغاني دواء لكل العلل وأفضل مكان للهروب من مشاكلك الحقيقية .. لكن للأسف لم تدم الأغاني طويلا، فمع مرور الزمن اختفت كل الأصوات وبقي هذا الضوء الأزرق، كان عندي أمل بإختفاء الضوء لنفس سبب إختفاء الأصوات ولكن سرعان ما تيقنت من مقولة ألا نصدق ما تري أعيننا أو ما نشعر به داخلنا، لقد رأيت هذا الجهاز الصغير الذي يمد مصدر الضوء الأزرق بالطاقة والذي أكد لي أن الضوء الأزرق سيلازمني طوال رحلة العودة. 
احتجت بشدة إلي هذه الأصوات التي تنقلني إلي عوالم أخري فتنسيني الضوء الأزرق و كنت انتقل تدريجيا إلي حالة من الهلوسة فرأيت ديفيد جيلمور يعزف منفردا في مقدمة الأتوبيس ..  و أعتقد أنني رأيت هذه النيران المنبعثة من جيتاره والتي أنارت الطريق بأكمله وغطت علي هذا النور الأزرق.
أنا فعلاً أهلوس!
 لم تدم هذه الهلوسة طويلا وسرعان ما غطى النور الأزرق علي كل شئ وبهت كل شئ عداه.
 كنت علي وشك أن أخرج عن هدوئي المعتاد وأذهب مباشرة إلي مصدر الضوء لأطفئه إلي الأبد غير مكترث بعواقب هذه الفعلة، ولكن سرعان ما انقطع هذا السكون التام وارتفع صوتان من مكان أقرب لي من الضوء الأزرق يتحدثان عن الجيش والحياة العسكرية وأحوال الراعي والرعية، ابتسمت ابتسامة بلهاء وحمدت الله لإنني أعرف أنني سأستمع إلي بطولات وقصص نجاح طوال الساعات القادمة، فأنا أعرف تمام المعرفة أنه دائما ما هناك المزيد من قصص الجيش.
 استمعت لكل كلمة قيلت كالطالب المتفوق .. وحقيقة أنني خجول بعض الشئ كانت هي السبب الوحيد لعدم مشاركتي في هذا الحوار الشيق والاندماج معهم كطرف ثالث للحديث.
كان الحظ حليفي واستمرت هذه الأصوات حتي وجدت حليف آخر وقضوا سويا علي الضوء الذي كان يطاردني بلا رحمة .
 أشرقت الشمس وتغلبت بضوئها علي كل الأضواء التي كانت حولها. أدركت أننا قد وصلنا لمبتغانا ولم أنم دقيقة واحدة وعدت إلي المنزل ناقما علي الأضواء الزرقاء وعلي القتلة المأجورين ووزير الداخلية.

http://youtu.be/ep-qrmpz9z0

Friday, August 5, 2016

الألوان

تفكّرتُ يومًا في سبب حقيقي لحبي للظلام و للألوان المحايدة  .. تعجّبتُ كثيرًا من قدرة هذه الألوان على وصف ما بداخلي جيدًا .. إنني أتدرج شيئًا فشيئًا تمامًا كدرجات اللون الأسود المائل للرمادي ثم الأبيض ، و أحيانًا أجد العكس .. لكنّي أعتقد أنني لن أكون يومًا خارج هذين الاحتمالين .. اعتقد أنني يجب أن أقضي حياتي في رقعة الشطرنج هذه .. و أن أري في الألوان المختلفة و الواضحة  حياة  لم يسعني خلقها بعد .. لكنّي عكسك تمامًا يا صديقي .. حين أخرج من هذه الرقعة لوقت ما أرغم نفسي علي رؤية تلك الألوان الجديدة علي إدراكي .. و أحاول جاهدةً أن أبتاع كل ما يمكّنني من دراسة هذه الألوان .
ذات يوم عرفت معلومةً ما .. كانت تقول أن الألوان كلها مبعثها الأساسي هو اللون الأبيض .. و لكنّي هزأت بهذا و اعتبرته خرافة .. كلام يحفر الناس عنه فقط ليخرجوه و يختبئوا خلف وهم ألوان لم و لن يستطيعوا خلقها .

بعدها رأيت شيئًا ذُهل له عقلي .. لم يكن للغرفة القاتمة سوي مدخل واحد فقط .. و شخص ما - حقًّا حتي الآن لا أدري من هو أو لماذا كنت اختياره دونًا عن سائر البيوت المحيطة - كانت تلك الزهرة البيضاء الجميلة موضوعة في ركن يأتيه ضوء شمس خفيف جدًا .. شكلها يبعث في النفس طمأنينة غريبة جدًا .. اقتربت منها لأري ما أسكت عقلي لفترة .. إن الضوء الساقط عليها ملون ! ..
ليس فقط ملون و لكنه ملون بألوان بهيجة جدًا ، كتلك التي كنت أسعي لتلوين كل ما يقابلني بها .. بل إنها لطبيعتها هذه ازدادت رونقًا و جمالًا !

لم أرد أن أفسد علي نفسي تلك اللحظات و أوقد المصباح المتحضر الذي بوسعه أن يقتل كل هذا الدفء العجيب بمجرد أن يزعجني بضوئه الصناعي التافه ..
اخترت ان أتجول في الغرفة قليلاً مبتعدةً و مقتربةً من هذه الساحرة .. لاحظت شيئًا لم ألحظه أيضًا في المرة الأولي .. إن هذا الضوء الدافئ برغم خفوته يضئ وجه الوردة جدًا .. و لكني وجدت ظل لتلك الوردة مرسوم بدقة بالغة علي الحائط خلفها .. و كنت كلما حاولت أن أدنيها للضوء أكثر يقل هذا الظل شيئًا فشيئًا حتي ابتعد تمامًا عن ذلك الحائط .

تبًا إنها رسالة ! .. لقد كان اللون الذي اعتدت و الذي سئمت هو مبعث كل شئ .. و كان بإمكاني أن أكون مصدرًا لهذه الألوان البديعة .. لكنّي لم أكتشف ذلك إلا حين ابتعدت عن الظل تمامًا .. حينما بدأت أري النور الحقيقي و المركّٓز ، النور الطبيعي  الذي يغمر  رقعتي الشطرنجية هذه و الذي يمنح الأشياء كل هذا الجمال الذي  كنت أقضي أيامي أحلم به ..
إنني أتعافي بشكل ما .. إنني أتخلص بالفعل من سيطرة اللونين الوحيدين اللذين بدأت بهما حياتي .. إنني أشعر بالتحرر .. أتحرر كليًّا ، و أعتقد أَنِّي يجب أن أشكر  خيط النور علي كل هذا .